نأتي لموضوع آخر..
خصائص الثقافة
أولاً الثقافة غير محسوسة.. ومن خصائصها إرضاء الحاجات من خلال الثقافة.
الثقافة متعلمة ومكتسبة.. هذه الخاصية خطرة!
أن الثقافة متعلمة ومكتسبة.. صحيح.. واليوم يريدون أن يعم الإنترنت والفضائيات حتى تتداخل الثقافات وتنشء ثقافات متشابهة.. ومن ناحية تسويقية، الثقافات المتشابهة يعني سلع متشابهة.. ونمط استهلاكي متشابه.. سلوك استهلاكي متشابه.. الخ
وهذا يعني أن فكرة الإنتاج الكبير التي ألغاها التسويق لفترة.. ترجع من جديد.. وتبقى القوة لدى الشركات الضخمة والعملاقة والمتعددة الجنسيات لأنها القادرة على أن تغزوا كل الأسواق!
هذه المحاضرة لديها جزء أول، يمكن الوصول إليه من هنا – الجزء الأول.
إذن بداية من التغير الثقافي.. ولذلك أنشأوا وفكروا بالحاجة إلى الإنترنت وفكروا في الفضائيات قبل ما ينشؤا هذا الاختلاف الحضاري.
نقطة أن الثقافة مكتسبة.. الثقافة مكتسبة وفق الخلفية الإدراكية للشخص.. والخلفية الإدراكية للشخص معتمدة على شخصيته.. ليست فقط بيئته.. وإنما هو شخصيته.
يعني: أي عاهة تدور حولها كل أمورك.. أي اهتزاز نفسي هو فيه تتمحور القرارات والاختيارات والانطباعات حوله.
فإذن الثقافة أيضاً مثل الشخصية.. ليست كلها مكتسبة.. لأن الاكتساب يعني أنك أنت تأخذ من البيئة فقط ولا تعالج ذلك في داخلك كشخصية.. لكن عندما تعالجها سواء من خلال تجاربك التي اكتسبتها أو من خلال ما ينبع من شخصيتك أنت ككيان إنساني موروث!
إذن الثقافة مثل الشخصية.. جزء كبير منها مكتسب.. صحيح.. لكنها تستند على قاعدة موروثة.. والله أعلم في الصواب.. ولكن هذه حقيقة.. والإنسان موروث.. كيف موروث؟ ألم يولد من أب وأم ونقل صفاتهم؟ والصفات الجسدية ليست بمعزل عن الجانب النفسي!
حركية الثقافة.. الثقافة حَرِكَة.. متغيرة وليست ثابتة.. سر تغيرها في أنه عندنا عنصرين.. العنصر الأول مادي خارجي.. والعنصر الثاني عنصر ذهني داخلي.
فالعنصر الخارجي المادي يتمثل في السلع والخدمات واستخداماتها واستحداثاتها.. كل السلع.. انظر: هذه الحركة الهائلة للكون والإنسان.. حركة عجيبة ومعقدة.. كل سلعة تُبتَكر تنشء لها كيان اجتماعي.. انطباعات مشتركة ومختلفة.. ولا تخافوا من كلمة كيانات.. ومجموعة سلع وأنماط.. تمثل أنماط معيشة وأنماط استهلاك.. وهذه بالتالي تنشئ مجتمعات.. هل عرفتم كيف؟
والمجتمعات فيها رغبات وحاجات تنشئ سلع وخدمات.. عملية التفاعل هذه هائلة ومتغيرة ومستمرة.. ولذلك نصل إلى حالة إذا كنت متمكناً مادياً ونفسك مفتوحة لسد الحاجات والرغبات بسرعة.. سوف تجد نفسك متعباً.. لماذا؟
لأنه نتيجة زيادة الحاجات وتنوع السلع.. سوف تؤثر على حالة الإشباع من ناحية استقرار الاشباع.. الذي يأكل بسرعة لا يستمتع.. ولذلك لا يكتفي بواحدة أو اثنتين من الفاكهة.. أما الذي يأكل ببطء فقد يكتفي بواحدة، لماذا؟
لأنه حصل على درجة عالية من الإشباع.. استطعم الفاكهة.. تلذذ بما أعطته.. هكذا!
فإذن.. حركة الثقافة.. الثقافة تتحرك من خلال عنصرها المادي الخارجي والانطباع الذي يتركه لدى المستهلك.
الثقافة تكافئ الاستجابة المرغوبة بها اجتماعياً.. ولذلك اختلفت المجتمعات في هذه النقطة.. وباختلافها اختلفت السلع والخدمات التي تستهلكها.. ويمكن أن تحدث التغيرات الثقافية في مجتمع معين نتيجة مجموعة من العوامل تكلمنا عنها بشكل إجمالي والآن نفصلها:
التغير التكنولوجي والتغير في التركيبة السكانية.. التغير في المصادر الطبيعية.. التغير في الحروب.. التغير في القيم.. التداخل مع الثقافات الأخرى تكلمنا عنها من خلال الفضائيات والإنترنت وما شابه ذلك.
قياس الثقافة
كيف يمكن قياس الثقافة؟
هناك مجموعة متعددة من الأساليب التي يمكن استخدامها لقياس الثقافة.. تتمثل في الأساليب الخاصة.. ويسمونها الاسقاطية التي يعتمد عليها علماء النفس لدراسة الدوافع والشخصية وقياس الاتجاهات.. هذه كلها سبق وأن تحدثنا عنها سابقاً.
هناك بعض الأساليب الأخرى المستخدمة في دراسة العوامل الثقافية.. ومن أمثلتها الملاحظة الميدانية.. تحليل المحتوى.
الملاحظة الميدانية واضحة.. أنت تلاحظ تغيرات تحدث في المجتمع من الناحية المادية.. أي أنه لديك عنصرين أساسيين.. العنصر المادي الذي تكلمنا عنه وهو الخارجي، والعنصر الذهني.. العنصر الذهني يولِّد في الانسان نتيجة تفاعله مع العنصر المادي الخارجي اتجاهات.. هذه الاتجاهات تولِّد سلوك.
وكما ذكرنا في الماضي هذه الاتجاهات عندما تولِّد سلوك سوف تظهر على شكل محتوى ثقافي في المجتمع فنستطيع أن ننظر إلى تغير الثقافات.
كانت هناك أمور تتنافى مع الأعراف أصبحت اليوم هي عُرف.. كانت أمور تتماشى مع القيم.. اليوم أصبحت منتشرة في المجتمع.. لكن تثير جدل!
إذن من خلال الملاحظة يمكن حساب وقياس الثقافة فنقول أن مجتمع متمسك بقيمه: (منغلق ثقافياً) لأنه لا يقبل أن يتفاعل.
يعني: درجة تفاعله مع الثقافات الأخرى ضعيفة.. قبوله للآخر وبفكرة الآخر ضعيفة.. فنقول عنه مجتمع منغلق ثقافياً.. لأنه لا يقبل أن يتفاعل بشكل جاد مع المتغيرات الأخرى.
من هنا تنطبق على الإنسان نفسه.. إنسان منغلق.. إنسان منفتح.
فمن الملاحظة للتغير الثقافي يمكن قياس المحتوى الثقافي.. مثلاً تغير نسبة الأمية.. نقصانها يعني زيادة حالة التعلم.. حالة التعلم والتعليم تولِّد تغير ثقافي.. هذه التغير الثقافي قد يُرسِّخ القيم بمفاهيم أخرى.
انعكاس هذه الملاحظات الميدانية على سلوك الفرد وثقافته من خلال سلوكه الشرائي يمكن دراسته أيضاً.
يعني: طراز الملبس الذي يلبسه الفرد يعبر عن مستواه الثقافي ومستواه الحضاري.
المشكلة في هذا أن هنك خلط.. لأن غلب النقاط هذه السلعية.. هي جاءت من حضارة أخرى وليست من حضارتنا.. من ثقافة أخرى غير ثقافتنا.. فالتعاطي معها يؤدي إلى لبس!
أي أنه قد لا يشكل عندك انطباع أن هذا الشخص مثقف أو غير مثقف.. يعني: لا يعني أن شخص يلبس العقال والثوب العربي والعباءة العربية أنه غير مثقف.. ليس بالضرورة من يلبس الكرفته والبدلة ويتعاطى البايب أو السيجار أنه مثقف! هذه قد تكون تعبيرات محاكاة.
وليس الذي يشتري ماركة من عطر هو يستوعب هذه الماركة.. إذن هنا نقطة.
القياس للثقافة نسبي كونه من أي زاوية تنظر للثقافة.
فملاحظة الثقافة بمفهومها الغربي هي الحداثة.. فكلما استخدمت التكنولوجيا والأمور الحديثة كلما كنت مثقفاً.. هذا المفهوم لا ينسجم معنا بمحتواه الثقافي!
ليس بالضرورة.. أن تستعمل تقنية.. التقنية في الغرب تعطيك انطباعات أخرى جديدة.. يعني: تكسب الأفراد انطباعات جديدة.
فهنا إشكالية حقيقية في قياس الثقافة من خلال سلوك الفرد.. لكن نستطيع قياسها بالآتي: إذا وجدنا إنسان يتعاطى مع التقنيات وله طباع وسلوكيات غربية؛ نقول هذا ثقافته غربية!
فيما يتعلق بتحليل المحتوى الثقافي هنا.. حتى لا نقع في الإشكالية.
فإذن ملاحظة السلوك لقياس ثقافة الفرد يعطينا انطباع عن هذه الثقافة.. هذا الانطباع يركز على فرز الثقافة فنقول هذا ثقافته غربية وهذا شرقية.. وهذا منطلق من الثقافة الإسلامية إذا رأيناه متمسك بالقيم وبكل مضامينها.
وهذا نقول يميل محتواه الثقافي إلى المحتوى القبلي لأنه يركز على أعراف معينة.. هكذا يمكن قياس الثقافة!
أما اختلاف الثقافات والنظرة غير الموضوعية لبعض الأفراد للثقافة تجعل هناك إشكالية في فرز الثقافات ومن ثم قياسها.
وسائل قياس القيم.. عندنا مقياس مكوناته الآتي: الأهداف النهائية والأساليب العملية.
في عندك أكثر من 10 نقاط تحدد القياس القيمي لدى الفرد.
مثلاً: الأهداف النهائية تتمثل في:
– الحياة المريحة.
– الرفاهية.
– الحياة الممتعة.
– الحياة الفاعلة.
– السلام العالمي الخالي من الحروب.
– المساواة.
– الحرية.
– السعادة.
– الأمن الوطني.
– النجاة.
– السرور.
– التميز الاجتماعي.
– الاحترام والتقدير.
– الصداقة الحقيقية.
– الحكمة.
– … الخ
وهذه تقابلها سلوكيات..
– الحياة المريحة تعني الطموح والعمل الجاد.. يعني يريد يحقق من إنجازاته رفاهية.
– الحياة الممتعة أو الحياة الفاعلة.. تتمثل في سعة الأفق والتفكير المنفتح.
– السلام العالمي الخالي من الحروب.. تمثل القدرة على الفاعلية والكفاءة.
– المساواة سعادة ونظافة القلب.. أسلوب التكافؤ في الفرص.
– الحرية.. أي الاستقلالية.. حرية الاختيار.. النظافة والأناقة والترتيب.
– السعادة.. الشجاعة والتمسك بالمعتقدات.
– … الخ
إذن لكل هدف من الأهداف أمامه وسيلة لتحقيق ذلك الهدف.. الانسجام الداخلي للفرد هو نوع من الثقافة.
الرقابة الذاتية.. الانسجام الداخلي يأتي كلما كانت القيم لدى الفرد واضحة لديه. يحدث لديه انسجام داخلي.
وفي اليوم الذي يدرك أن قيمه مهزوزة لديه تقل عنده فكرة الجانب الداخلي.. ولذلك الانسجام الداخلي يرسخ القيم لدى الفرد من خلال الرقابة الذاتية.
هذا المقياس.. ونحن الآن نتكلم عن دراسة القيم الاجتماعية الأساسية ومعايير تحديد القيم.
أولاً الاقتناع.. الأفراد يجب أن يقتنعوا بالقيم حتى تسود.. إذا لم يقتنعوا بالقيم.. فأظن أن هذه أزمة.
الآن مثلاً وسائل الإعلام في الوطن العربي تنادي بالديموقراطية كقيمة أو كأسلوب حياة.. وأنت لا تعرف مفهومها أو مداها.. لكن تعرف أنها حرية.
لكن الحقيقة أن هذه القيم مقبولة لدينا لكنها غير مفعَّلة بسبب تركيبتنا الثقافية.. نحن لا نقبل بالاختلاف.. يعني لا نقبل بأن الآخر مختلف عنا.
فالمختلف تستطيع تقنعه أو تتعايش معه على اختلافه.. هذه لا ندركها نحن خصوصاً إذا ارتبطت بقيم عميقة تمس الحلال والحرام.
نحن عندنا شيء اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولكن بشكل عام نحن لا نقبل الاختلاف.. أليس كذلك؟
ننادي بالديموقراطية والحرية.. لكن لا نقبل الاختلاف لا نقبل أن يختلف شخص معنا ويقول رأي مخالف لنا.. لا نعرف كيف نتعاطى معه!
الاستمرارية.. صفة ثانية كمعيار لتحديد القيم.. التي يفترض بها أن تؤثر على سلوك وأفعال الناس.
يعني: ليست قيم لا تؤثر على السلوك.. لأنها هذه تسمى قيم غير فاعلة غير مستمرة في حياتنا.
علاقة القيم بالمستهلك
يجب أن تكون القيم ذات علاقة بالمستهلك للمساعدة في التحليل والفهم للسلوك الاستهلاكي للمجتمع.. على ماذا يؤثر؟
هذه نقطة جوهرية في التسويق..
من خلالها نستطيع أن نفهم ما هي السلع التي يطلبها المجتمع أو التي لا يرغب فيها أو التي يرفضها.. عندنا القيم العامة في المجتمع تتمثل في الآتي: الشعور بالإنجاز والنجاح.. أي مجتمع يريد إنسانه يشعر بالإنجاز والنجاح.. يشعر بالحيوية والكفاءة والعملية والتقدم والراحة المادية.. الاستقلالية.. الحرية.. التوافق الخارجي.. الإنسانية .. روح الشباب.. الصحة واللياقة البدنية.
هذه كلها أمور عامة تصلح في كل الثقافات.. إذن هذه هي القيم العامة في المجتمعات لأنها قيم ثقافية تصلح لكل المجتمعات.. يعني لا تختلف.
كلنا نريد الحركة.. نريد أن نكون حيويين.. فاعلين.. كلنا نريد أن نكون سعداء.. كلنا نريد أن ننجز شيء.
أنت والأوروبي والذي في الصين وفي أي مكان.. له نفس تطلعاتك.
وذلك لأنها جوانب غريزية فطرية لدى الإنسان.. يؤمن الإنسان بالاستقلالية ككيان.. لماذا؟
لأن لديه عقل يفكر ويستوعب ويحلل ويعالج.
فإذن هو يجب أن يكون مستقلاً في التفكير.. لا يريد أن يتدخل الآخر في تفكيره.
وكلما كان الانسان شاب كلما كان أكثر قبولاً في المجتمع.. لأنه لديه حيوية أكبر.. وتفاعل أكبر.
ذو الصحة له قبول في المجتمع وذو السلطة له درجة أكبر في القبول وفي التوازن الثقافي لديهم.
الكبار.. عملية التوازن الثقافي مع الكبار تكون ليست معدومة ولكنها ضعيفة.. الكبار يمكن التعاطي معهم من محتوى آخر للثقافة.. وهو الحكمة والأناة.
يعني: المشهد الإنساني في حركته يحتاج إلى كل هذا النمط والنكهات للسلوك!
حسناً.. القيم العربية الأساسية.. تهتم بالنواحي الدينية.. الدين له أثر على القيم العربية.. الكرم صفة عربية ملازمة للقيم.. مرتبطة أيضاً بالمعتقد والدين.
صلة الرحم.. مثلاً في الغرب ضعيفة.. يعني: المجتمعات لأنها اعتمدت على المادية البحتة.. بنما نجد عندنا العكس.. من العار أن يترك أحدنا أباه وأمه.. أو حتى يجفيهم.. أو مثلاً لا يقوم بالحقوق الاعتيادية المطلوبة منه.
يدخل في حرج شرعي في الأصل! وليس فقط عرفي!
عندما يمر الإنسان بضائقة وأخوه بجانبه أو جاره لا يقف معه.. تُشكل مفسدة علينا.
عملية صلة الرحم والقربى والجيرة والتماسك الأسري.. من الصعب أن البنت تترك بيتها وهي طفلة أو في سنوات صباها وتخرج تعيش وحدها.. هذا مثلاً سيكون سلوك غريب في هذا المجتمع.
وأخيراً.. التوكل!
(انتهى)
د. عبد الحق شاكر
2003-2004م