التعلم والارتباط – ج2

إذا فاتك الجزء الأول.. إذهب إليه من هنا..

انظر الجانب الحسي لها (المعلومات غير الكاملة).. المفهوم الذي تستوعبه الآن.. هو أنه يعطيك شيء غير واضح المعالم.. ولذلك تسمى “بيانات”.. وهو في الكتاب ترجمها “معلومات”.

هي ليست بيانات وهي ليست معلومات.. إنما تزويد.

يعني: هي عملية تزويد.. يزودك.. بماذا؟ وما مقدار هذا التزويد؟

قد يكون هذا التزويد معلومة كاملة مترابطة.. وقد يكون عبارة عن بيانات أنت تقوم بالربط بينها.

لكن المهم في هذا التزويد هو ليست المعلومات ولا البيانات.. إنما المهم في التزويد هو تنبيه الحاجات!

إذن الآن أثبتنا أن استعارة إيحاء خطأ من جانبين.. إذا ربطت بالوحي الذي هو نصوص شرعية.. وهي لا تقبل التأويل.. بمعنى أنها أخذت حجمها الكامل.. وعرفنا أن الوحي هو عبارة عن آية تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وكتبت في القرآن الكريم وفيه معلومات وعقائد وتشريع.. يعني أشياء ثابته وواضحة.إذن الاستعارة كإيحاء ليست صحيحة.. والجانب الآخر هو الجانب الحسي.. منكم الآن من تفاعل مع الموضوع وأدرك أنها في البداية أنها وهم.. لكن لوهم يخرج من داخل الإنسان.. أما الإيحاء هو أقل من المعلومة وأقل من البيان وقد يكون بيان وقد يكون معلومة.. إذن هو شيء خفيف الظل يثير نقطة.. يثير انتباه الحاجة لدى الإنسان.. ينبه الحاكات والرغبات.. الرغبة هي أعلى درجة من الحاجة.. لأن في بعض الأحيان تكون محتاج لكن لست راغباً.. كما ذكرنا في حالة الدواء!

إذن هنا سنقول التزويد بدلاً من الإيحاءات.. سنقول التزويد ولذلك في علم النظم يسمون الحواس بأدوات التزويد أو التزود.. التزود عندما أنت تختار الصورة والصوت وتدخلها في مخك.. والتزويد إذا أحدهم أعطاك أحدهم معلومة ناقصة أو بيانات متناثرة وتركك تربط بينها أو تكملها بنفسك!

هناك نظريات للتعلم.. تكلمنا عن جزء مها في الأسطر السابقة.. ونتكلم الآن عن النظرية الكلاسيكية.. وتبنى أساساً هذه النظرية على نظرية “بافلوف”.. وهي نفسها التي سمعتم هنها في السلوك التنظيمي.. وهي تجربة قام بها هذا الشخص على -أجلكم الله- على الكلب فكان نتيجة توافق رنة الجرس والتوقيت مع تقديم الطعام للكلب.. فأصبح بمجرد قرع الجرس يسيل لعاب الكلب ولو لم يقدم الطعام في وقته.. لأنه ارتبط.. هذا الارتباط!

ارتبط الجرس مع تقديم الطعام.. هذا مختصر النظرية.

جاء هذا التعلم من خلال التكرار.. كرر هذه العملية فوجد أن التكرار جعل ذاكرة الكلب تقرن دائماً قرع الجرس في لوقت المحدد مع تقديم الطعام.

إذن التكرار هنا أساس لإعطاء الذاكرة هذا الارتباط.. فسند هذه النظرية على التكرار.. وسنشرحها ثم سنتحدث عن اسقاطها على السلعة.

إذن النظرية الكلاسيكية تُنبني أساساً على نظرية “بافلوف” وتفترض أن الاستجابة تكون فورية أتوماتيكية للمنبه أو للدافع.

وترتبط هذه النظرية بثلاث عناصر مهمة.. هي:

الآن سأعطيكم الجانب الموجود في الكتب.. ثم سنتوسع حتى نستغل الوقت بشكل أكبر.

التكرار.. استند على عنصر التكرار.. وعنصر التكرار يعطينا أول شيء.. الجذب والانتباه.

وثانياً التعريف.. الذي يكون أكثر من حالة انتباه.. التعريف هو للمنتبه.. يعني: الإنسان إذا لم ينتبه لا تستطيع أن تُعرِّفُه.. ولذلك عندما تتكلم ويصبح كلام بين اثنين وأنت تحاورهم.. ومن هنا الاثنين يتحدثوا فأنت تسكت.. لأنهما غير منتبهان لكلامك.. أو تقول لهم انتبهوا أو اسكتوا حتى تفهموا ما أقول!

إذن أول عملية في التزويد.. عملية شد الانتباه.. ولذلك نرى انعكاسها على الإعلان.. إيقاعات الإعلان.. درجات عالية من الصوت أو منخفضة.. همس! يثير الانتباه.. لماذا؟

ينقلك من حالة الاعتياد التي أنت في الأصل عايش فيها إلى حالة أكبر من الانتباه.. فالانتباه سببه تغير إيقاع المثار.. تغير الإيقاع لدى المثار.. وليس المثير نفسه.. فقد يكون مثير قوي جداً ومستمر بنفس النمط.. فلا يثير لديك انتباه.. بل قد يثير لديك انزعاج أو نفور.. والانتباه عكس النفور!

يسبب انتباه.. صحيح.. لكن قد يؤدي إلى انطباعات سالبة!

والثانية التعريف.. إذا انتبهت.. اهتممت.. وإذا اهتممت أدخلت.. فيصبح التعريف.. ومن ثم التذكر.

ولذلك نستفيد من هذه في الإعلان.. يكرر ثلاثاً.. الأولى للتنبيه.. والثانية للتعريف.. والثالثة للتذكير.

وهذا الموضوع يتم التعمق فيه في الاتصالات التسويقية أو الترويج.

موضوع الإعلان والترويج والاثارة.. يعني: نحن نريد أن تفهم الآلية.. ولا نريد حفظ الكتب.. نريد أن تصبح انسان عملي.. متى تصبح إنسان عملي؟ متى تحب مهنتك؟

عندما تستطيع تحويل النظرية إلى تطبيق.. وهذه مشكلتنا في الجوانب الأكاديمية أنت تعيش في النظريات ولا تستطيع أن تنقلها إلى تطبيق.

وعندما يريدون أن يعيشوك في جو تطبيق.. يعطوك دراسة حالة.. ودراسة الحالة لا أعتمد عليها كثيراً لعدة أسباب.. صحيح.. هي أسهل وأريح في الشرح.. لكنها ليست ذات جدوى.. لماذا؟

لأن دراسة الحالة تحجم تفكيرك في حدود هذه الحالة.. وهذا الأسلوب تجميعي في التعليم.. وليس أسلوب استنتاجي.. صحيح.. استنتاجي في الحالة هذه المذكورة.. أن تحفظ هذه الحالة وتحاكي الحالة في اتخاذ قرارات إذا ما مرت ظروف مشابهة.. وقد لا تمر إطلاقاً.. مجرد حالة دراسية للدراسة!

لأن الحالة حدثت في مكان بعيد كل البعد عنك.. في أمريكا وأوروبا.. ولا يمكنك أن تستوعبها لأنها بعيدة عن مجتمعك.

ومجتمعك في هذا الجانب.. لا نقول متخلف.. بل متأخر.. متأخر عن هذه الحالة سنوات.. بعد زمني.. فهذه الحالات لا أؤمن بها.

لكن أؤمن بشيء آخر.. أن تستوعب فسلجة العلم.. تحليله!

أنت الآن عندما نقول تكرار.. عندما نقول إعلان.. عندما نقول منبه.. في الحقيقة ماذا نفعل؟.. نحن فعلياً نحفز الحاجة التي تضغط على الدافع وهذا يسمى بإحداث توتر!

لازم هذه الآلية تعرفها.. يجب أنت تعرف في الإعلان ماذا تفعل.. ولذلك ليست كل الإعلانات ناجحة.. لماذا؟

لأن هذه النقطة غير موجودة لدى من يقومون اليوم بالإعلان.. هذا جزء من الأسباب التي نريد أن تحفزنا لأن نكون قسم استثماري مستقبلاً.. أليس كذلك؟

لكوننا نحن نعرف فسلجة العلم الذي نعمل فيه.. والذي هو سلوك المستهلك.. كيف نؤثر على المستهلك؟

نريد أن نؤثر عليه وفق مفهوم الآية الكريمة: (وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا)

القول البليغ يغير الاتجاه.. يمس الأحاسيس والمشاعر والحاجات والدوافع.. هذا القول البليغ!

لأنه العبارة تقول (في أنفسهم) فنحن نأخذ فلسفة العلم وفسلجته (تشريحه) التي هي أعمق من الفلسفة.. فسلجته تعني آليات التأثير هذه!

لماذا نجحوا في الغرب؟ لأنهم يدرسوا العلم بهذه النفسية.. لماذا نجح أسلافنا.. لأنهم درسوا العلم بهذه النفسية.. نحن درسناه جانب تجميعي وليس تحليلي.

وهناك نقطة أخرى.. لماذا القرآن صالح لكل مكان وزمان؟ لماذا القرآن يصلح لكل مكان وزمان؟ اليوم البيئة تتغير 100% عن السابق.. صح؟ لماذا يصلح إذن؟

انظروا.. الآن هذا الكلام واقعي.. كلنا نقول أن الإسلام والقرآن يصلح لكل زمان ومكان.. والحياة تغيرت عن السابق 100%.

وسأقولها لك حتى لما يسألك أحدهم.. تفهمه وتجاوبه.

وللأسف لما تطرح هذا السؤال في استفتاء عند الكل.. لن تجد من يجاوبك صح.. والكل تقرأ القرآن.

الإجابة ليست صعبة.. ولكن من الصعب أن تجد أحدهم يعرف بذلك.. انظروا..

القرآن تكلم عن النفس البشرية.. والنفس البشرية هي نفسها.. من آدم إلى قيام الساعة لا تتغير.

تتغير أحوالها ومتطلباتها.. هذا التغير في الأحوال والمتطلبات عالجه بالفقه والاجتهاد.. لكن الجانب القطعي والعبادات مرتبطة بالنفس التي لا تتغير.. لذلك العبادات لا تتغير.

أليس زكاتنا اليوم هي نفسها زكاة من عاشوا قبل 1400 سنة.. محتوى الزكاة تغير.. لكن نسبة الزكاة هي هي.

لماذا هذا الكلام؟

هل له علاقة بالمستهلك والتسويق.. من يسمعنا سيقول أن هؤلاء يخلطون المفاهيم.. والكلام ليس هكذا.. بل هو أصيل.. فأنت عندما تتعامل اليوم في كل الأمور تتكلم عن سيكولوجية المعلومات.. أثرها على السلوك والحركة.

السلوك والحركة قادمة من الإنسان وليس من أي شيء آخر.. صح؟ فعندما تدرس انعكاس كل علم على سلوكك أنت دخلت في أصل العلم.. ومن ثم استطعت التحرك فيه بالشكل الذي يعجبك وتؤثر!

ففي سلوك المستهلك يجب أن تدرس الإنسان وآليات التأثير عليه.. وهذا ما يحصل في العالم اليوم.. نفعل كذا.. فيحصل كذا.. مثل رقعة الشطرنج.. أحرك هذا البيدق من هنا فيحرك هو هكذا.. وإذا حركتها وهو حرك سأحرك هكذا فيحرك كذا.. الخ

من الذي يفوز؟

أكثرهم استيعاباً للرقعة!

من وضع الشطرنج كان هو أكثر واحد استيعاباً للرقعة!

كيف؟

كيف استنتجناها؟ هذه لم يقلها أحد.. لم يقلها أحد.. وقيل أن واضعها في فارس في القرن السادس الميلادي.. رجل يريد الملك يكافئه فقاله يضع حبة أرز ومن ثم تتضاعف.. وفي النهاية كان قد أخذ كل حاصل المملكة!

في البداية سهلة.. لكن في النتيجة كارثة.. فهو إذن كان مستوعب الرقعة.

ما علاقة الشطرنج وسلوك المستهلك؟ والآن سنقول ما هي العلاقة.. كل من يحسُب نقلات متتابعة مترابطة وعلاقات واحتمالات أطول هو الذي يفوز!

لأن تفكيره أطول وأعمق.. وليس فقط يفوز.. وأيضاً أعصابه أهدأ.

هكذا في سلوك المستهلك.. كل ما تدرس المستهلك أعمق وأوسع لدوافعه.. -ولذلك نحن نريد دوافع لا شعورية في أبحاثكم- كلما استطاعت إنتاج منتج وأنت مرتاح وأهدأ.

وهذا منتجك ينمو ويكبر في السوق ويصير له سمعه ويكون قريب من المستهلك.. لأن هذا المنتج سيكون تعبير واختراع المستهلك نفسه.. بكل تفاصيله.. لماذا؟

لأنك أدركته بشكل أدق.. فإذن ليس كل تعمق هو توهان كما سطحوا له.. ليس كل تعمق فيه تعمق الواعي المدرك لماذا تعمق؟

حتى تجاوب على كيف تؤثر.. لماذا أتعمق في دراسة الدافع وفي تلمس الحاجات؟

حتى أستطيع أن.. سأعطيكم مفتاح سحري غير موجود في الكتب!

أتعمق في دراسة الحاجات حتى أستطيع أؤثر عليه.. وهذا هو المفتاح السحري: أن تتعمق في نفسك!

وهنا نقول أن القرآن صالح لكل زمان ومكان لأنه يخاطب النفس!

وأنت في التسويق تخاطب النفس وكيف تستوعبها من خلال نفسك!

ولأن العملية معقدة في صورته العامة.. أن تفهم كل الآخرين.. أنت بمجرد نقلك لحاجاتهم ودوافعهم وأحاسيسهم إلى منتج.. هذا المنتج يحاكيهم وعليك أنت أن تأتي للجانب الفني وهو أيضاً يحاكيهم.

لكن ماذا يحاكي فيهم؟

مستواهم الثقافي.. المستوى التعليمي.. والمستوى الحضاري والمستوى الاقتصادي.. هذا أيضاً نمط آخر من المحاكاة.

يعني: ليس فقط دوافع ورغبات فقط.. أنت حتى هذه الأمور ستشملها.. فالجانب التقني العالي لا ينسجم مع مستوى بسيط من التعليم.. لأنه هنا بدلاً من أن تحقق له حاجة؛ تثير لديه نقص نفسي داخلي.. هذه المسألة!

أنت لا تدرس فقط الدوافع والحاجات كونها جوانب نفسية.. لكن أنت تدرس أيضاً الظروف التي تحكم هذا الفرد.

هنا أصعب ما فيها.. كيف تلبي حاجة وفق ظروف المستهلك؟

هنا دراسات جانبية أخرى أيضاً.. ضروري أن تجريها أنت.. إن كنت تريد أن تجسد المنتج بالشكل الذي يحقق شيء.. يلبي حاجة ويبعد المخاطر ويزيد المتعة.. وهو لأصل الذي تكلمنا عنه عندما يأتي أمام الانسان جهاز معقد.. لا يرغب في استخدامه.. لماذا؟

لأنه يشعره بنقص.. ويقلل الإشباع بدرجة المتعة التي يحصل عليها منه.. يعني:

الميكروفون سابقاً كان محمول باليد.. أول ما خرج.. والمسجلة الجرامافون كانت بحاجة إلى تدوير القرص على الإبرة.. في البداية كان اختراع.. لكن لو يُعرَض هذا مع ما هو متوفر اليوم.. الذي يعمل بالريموت وأنت جالس هناك.. أيهما ستختار؟

ستختار الحديث.. وربما تختار القديم.

لكن هنا دوافعك ستحكم.. تختار القديم كتحفة فنية.. والجديد تختاره لأنه ينسجم مع ظروف عملك.

أنت لا يوجد لديك وقت لعملك.. فما باللك أن تقعد تحرك الجرامافون حتى تسمع وعضلاتك تروح حتى تسمع أسطوانة!

تشتري القديم كتحفة لها قيمة تاريخية.. وتشتري الآخر حتى تستخدمه.. أنت اليوم من التعب والإجهاد لا تستطيع أن تقوم ثلاثة أمتار حتى تذهب لرفع الصوت أو تغيير الاسطوانة الخ.. أنت اليوم تجلس مكانك وبالريموت تشغله.. ينسجم مع ظروف بيئتك.

إذن هذه الدوافع والحاجات أيضاً ليس هي التي تتغير.. أساليب درجة الإشباع تتغير بمحتوى الظرف.

درجة الإشباع ليست التي تضعها أنت في السلعة.. وإنما الذي يطلبها المستهلك!

ونحن ذكرنا أمثلة على تخفيف السمنة في الماضي كثيراً

نأتي إلى نقطة أخرى في هذه النظرية.

التعميم.. نحن كررنا وجذبنا انتباه وعرفنا وذكرنا.

والآن إذا استوعبنا.. يعني: هو ما الذي فعله “بافلوف” في نظريته؟

جرب على هذا الكلب -أجلكم الله- فوصل إلى النتائج.. وعممها على الحيوان والإنسان.. لماذا؟

ارتبطت به أشياء غريزية.. هذه الدوافع كانت قد أثيرت باتجاه الطعام.. فكانت أشياء غريزية يحاكيها عندك.

عندما تشم رائحة زكية للطعام يسيل لعابك!

وربة البيت تسمعوا عنها لما تقولو لها: تعالي تغدي!.. فتقول: لا أشتهي!

لأنها هي تطبخ فتشم الرائحة وتتذوق حتى تعرف فتفرز العصارات الهضمية إفرازاتها فتهضم لا شيء.. فتجعل هناك عدم شهية لديها.

ويفترض على هذا المنطق -والله أعلم- وقد تحتاج إلى بحث أن التي تطبخ دائماً وأكلها طيب.. يفترض أن تكون ذات قوام رشيق.. لأنه سوف لا تكون تميل إلى الطعام.. هذه بحاجة إلى بحث!

أما أن تكون بدينة سببها عدم الاستعداد وعدم الحركة.. ولأن جلوسها في البيت لفترات طويلة وحركتها محدودة، هذه الحركة المحدودة والفراغ قد تؤدي إلى زيادة في تناول الأطعمة.

التمييز.. وهي مرحلة متقدمة في التعلم!

وترتبط بالتكرار وإدراك كل الأشياء أو المعرفة الحقيقية للأمور.

وهو نوعان.. تمييز إيجابي.. وتمييز سلبي.

اختلاف الغلاف فقط.. وهذه تجارب إن شاء الله تقوموا بها مستقبلاً.. ونحن لسنا بصدد انقلاب.. نحن ضد الانقلابات العسكرية!

وضغط الأنشطة عليكم يمنعنا من تكليفكم بأنشطة أخرى، وضعف الاستجابة والتلكؤ في الاستجابة تمنعنا من ذلك.. وفي الحقيقة هناك بحوث حلوة مثل بحث الغلاف.. لو أنت وضعت نفس المادة في غلافين مختلفين سوف تجد أن هناك تميز سببه تميز الغلاف.

ويحكى أن فتاتين أُعطيت صورهما بدون أسماء.. فسُئل في استقصاء.. أيهما أجمل؟

فكانت الإجابات في الوسط.. يعني كلاهما تقريباً المستوى.

لكن عندما أعطيت لهما أسماء سيصبح هناك تميز.

وأعيد الاستقصاء ووجدوا أن التي اسمها إليزابيث كان التصويت لها 80%، والأخرى 20%.

انظروا.. الجانب البحثي حقيقة جميل.. لأنه يعطيك أشياء غير متوقعة تدلك على مدى الفوارق والفروقات التي تحتوي النفس البشرية في الإدراك والتصور والاستيعاب.. الخ والتي يأتي بعدها القرار.

ففي البداية بدون أسماء.. أخذتا نفس النسبة.. لكن بمجرد أن وضعوا الأسماء.. هذا المثال يدلك على قوة الماركة أو العلامة التجارية.. الماركة شيء خارج المنتج.. فلما تكون علامة تجارية بارزة.. قد تستقطب المستهلك.

إذن التميز الآن.. فقط ميزناهما صار التميز إيجابي لإليزابيث فصار 80% والأخرى نزل سلبي إلى 20% وهكذا الماركات السلعية.

النقطة الأخرى.. النظرية الإجرائية تعتمد على عاملين: التعلم العام.. وهو التعلم لمرة واحدة.. أي يمكن إعطاء المعلومات كاملة للفرد المستهلك ثم يقوم بالاستجابة لهذه المعلومات.

هذه هل تصح في كل الأحوال؟

نريد جواب علمي.. المحدد هنا هو ليس المستهلك.. جلس ولا ما جلس.. لا.. هذه مرتبطة بالذاكرة.. والآن سندرسها.. قضية مرتبطة بشيء فسيولوجي لديه.. والفسيولوجي يصبح سيكولوجي وقد يتحول إلى جانب نفسي.. لا يستطيع أن يتحكم هو بها حتى لو جلس.. لن يأخذ كل المعلومة.. هذا يسموه التعلم العام!

التعلم الموزع هو التعلم على فترات بحيث تُعطَي هذه المعلومات على فترات كي يتعلم الفرد جزءاً منها.. كل فترة يأخذ معلومة.. وهذا ما يحصل بالنسبة لكم.

الإنسان من بداية تعليمه الأكاديمي من الصف الأول الابتدائي حتى يأخذ الدكتوراه وما إلى ذلك.. هو يأخذ في العلم.. انظر.. يأخذ العموم ويتدرج في العموم.. ثم يتخصص.. ويتدرج في التخصص.. هذه هي آلية التعليم.

إذن لا تستطيع أن تعطي العلم دفعة واحدة!

وأصلاً رب العزة والجلالة تعاطى معنا هكذا.. لم يعطينا العلم كاملاً.. إنما أعطانا العلم مجزأ.

مجزأً هو.. هذه أولاً.. ومجزأ تجزيئ في الأفراد أنفسهم حتى يحصل تكامل وتفاعل في حركة الحياة.. وعملية التعلم تصبح عملية تبادل وعلى مر السنين الطويلة والقرون حتى وصل الإنسان إلى ما وصل إليه الآن.. أليس كذلك؟

فإذن فكرة التجزئة تنسجم مع فسلجة الإنسان.. هل الأولى معطلة؟ لا.. لكل واحد من المفهومين له ظروفه الخاصة.

الآن عندنا نظرية التعلم الذهني.. وهذه النظرية تعتمد على التفكير المنطقي وإيجاد البدائل.. وفي حالة صعوبة تحقيق الأهداف ربما يتم ترشيد هذه الأهداف إلى أهداف أقل تواضعاً.. يعني؟

هذا مدخل في علم النفس.. أنت عندك أهداف.. اليوم هدفك.. هذا الهدف وفق إمكانياتك لا تستطيع تحقيقه.. فأنت بخيالك قادر على تحقيق هذا الهدف.. والمنطق والملابسات الخاصة بالحال تمنعك من تحقيق الهدف.. فتصاب بإحباط.. أليس كذلك؟

وأنت إذا واصلت احباطك قد تصاب بمرض نفسي وعقد واكتئاب.. فالإنسان رب العزة مُجهزهُ بجهاز نفسي يصنف.. فأنت قد ترغب بالمرسيديس ولكن امكانياتك غير مُهيأة اليوم لشرائها.. فتُرشِّد هدفك إلى هدف أقل منه.

هذه واحدة.. أو تتناسى الهدف.. ويسموها عملية كبت.. أو تقنع نفسك عن طريق التبرير.. تبرر عدم وصولك للهدف.. ومن هذه التبريرات أن الطالب يرسب فيقول رسبوني! وأن الأستاذ لا يفهم شيء.. وفي الحقيقة هو الذي رسب.. لكن يبرر لنفسه!

والأفضل أن يكون هدفك واقعي وضمن إمكانياتك في المرحلة الحالية.. وقد يكون ضمن إمكانياتك في المرحلة القادمة.

وفي الأمثلة العربية السابقة التي كنا نقرأها في الابتدائي قصة بائعة اللبن.. في الصيف ضيعت اللبن.. كيف هذه القصة؟

هي جاءت بالحليب من الريف وهي تمشي وعلى رأسها اللبن.. فقالت لنفسها.. أبيع اللبن بكذا وأشتري قرطان من الذهب وأشتري الحجل أو الخلخال كما يسمى في اللغة العربية وأعمل به هكذا (وتقفز دون وعي حتى تسمع صوتها وهي لا تزال تسير) فانكب اللبن كله!

هل عرفتم ما هو القصد؟

فالإنسان عندما يكون واقعي يحدد أهداف منطقية.. وهي هدفها منطقي ولكن لم تحسن الوصول إليه لأنها استعجلت تحقيقها للمتعة بشكل خيالي غير واقعي!

فلما يكون لديك هدف رشيد في أصله.. والهدف الذي اسمه رشيد لا يحتاج إلى ترشيد.. لأنه يمكن أن يصل ضمن امكانياتك.

فإذن.. أنت تتعلم بمعالجة الذهن التي ذكرناها في البداية.. قلنا أنك لا تدرج المعلومات بنفسك.. ومخك يعمل خارج إطار عمل الكومبيوتر.

أنت كل معلومة تدخل عندك تعالجها.. كل معلومة تدخلها أنت تعالجها أنت وتفتح لها ملفات وعلى ضوئها تلغي ملفات.. هذه العملية قلنا أن الكومبيوتر لا يعملها!

هي هذه المعالجة.. تقوم بتصحيح وإضافة ونقصان معلومات فتضعها في ملفات خاصة بعد التصحيح أو تمسحها من نفس الملف وتكتبها بطريقة أخرى وربما لا تمسحها وتستطيع أن تسترجعها!

أنت مسحتها ولكن تستطيع استرجاعها بمجرد دخول معلومة أخرى تؤكد أو تناقض الملفات التي أنت فاتحها!

هذا الذي يحصل في مخك.. وهو على عكس ما يحصل في الكومبيوتر.

ولذلك يجب أن تزعلوا إن تم وصف عقولكم بالكومبيوتر!

نأتي إلى تركيب الذاكرة.. هذه عجيبة.. وأدعوا لي أن الله يوسع لي في عمري وصحتي ووقتي حتى أثبت في هذا الكثير إن شاء الله.

مخزون الحواس.. أول شيء.. مخزون الحواس هذا فترته بينما يأخذ منك.. من ما يسموه في علم النفس بعالم الأحداث.. وعملية التزود من حواسك الخمسة.. من أهمها النظر والسمع.. بينما تأخذ من عالم الأحداث حتى توصل إلى الذاكرة -هذا موضوع مهم.. لازم تتعمقوا فيه.. ولدي شغل فيه- انظروا..

هذه الذاكرة وهذه الحواس.. وذاكرة قصيرة وذاكرة طويلة.. هنا الحواس تستقطب أو تدخل المعلومات والبيانات.. وهي عملية معقدة طبعاً.. الحاسة تتعرض لكثير من البيانات ولذلك لا تخزنها كلها.. لكنها قنطرة أمدها الزمني ثلاث إلا سبعة ثوان.

حسناً.. هل تنقل كل الصور؟

الجواب لا.. لأنها تُفلتَر بما يسمى صمام الاهتمام.. هذا الاهتمام يحدد ما يدخل أو يخرج.

استيعاب الفكرة ضمن اهتمام الشخص يعني تكوين الاتجاه.

حسناً.. قنا أن هناك سلع تتميز بارتباط عالي قوي.. وسلع تتميز بارتباط منخفض ضعيف.

مدخل الإقناع.. يتوقف على المعلومات التي تُضخ للمستهلك.. ودرجة التنبيه لدى المستهلك.. وهي تتفاعل مع أولويات الحاجة لديه.. فيتكون عنده إما اقتناع بتلبية تلك الحاجات.

ولكن هل تنسجم مع منظومة القيم في المجتمع؟

الإعلان يحقق ولاء لدى المستهلك نحو السلعة.. أما أسباب انخفاض الولاء فهي:

الملل.. معلومات جديدة عن السلعة عكسية كالإشاعات.. تقادم الإشباع.. التلبد من كثرة تكرار الإعلان.. والسعر الذي يرتبط بالتضخم والكساد في المجتمع.

د. عبد الحق شاكر
2003-2004م

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.